أما حركة الكاميرا إلى الأمام والخلف، فتشير إلى الاقتراب من شئ، أو الدخول إليه.، أو عكس ذلك. وهنا تكون اللقطة بمعنى: أصبحنا الآن هنا، أو: انظروا إلي هذا الشيء، أو : اُتركوا هذا الشيء، على عكس حركة المتابعة التي تقول: تعالوا معنا، إننا نمضي مع هذا الشيء المتحرك، لنذهب معه إلى المكان الذي يقصده.
2. زاوية الكاميرا:
إن كاتب السيناريو ليس مجبراً على أن تكون لديه معرفة واسعة بزوايا الكاميرا، ولكن يلزمه أن يُنمي عنده حاسة التفكير في المرئيات، كما تراها الكاميرا، وكما تنقلها من خلال "عيونها" أو "عدساتها". فعند الحديث عن الموقع أو الموضع أو المكان، الذي توجد فيه الكاميرا، والزاوية التي تنظر منها إلى الشيء الذي أمامها، وكيف يبدو هذا المنظور في عيون الكاميرا، وكيف يختلف شكله حسب اختلاف الزاوية، التي تنظر الكاميرا إليه منها. ويجب التأكيد على أن وضع الكاميرا ليس فقط توجيه العدسة إلى نقطة محددة، بل هي رؤية للشيء من زاوية خاصة، أو من جانب خاص، يشرح اللقطة ويفسرها من وجهة نظر السرد الفيلمي أو السرد المرئي (سرد القصة بالصورة).
فعلى كاتب السيناريو أن يتخيل دلالة ما تنقله الكاميرا من المنظور، عندما تراقبه من مكان معين، أو من زاوية معينة (عندما تكون الكاميرا في مكان مرتفع أعلى من المنظور، أو في مكان منخفض، أو عندما تكون في مستوى الرؤية نفسها) حيث ينتج عن زاوية الرؤية هذه أشكال ولقطات خاصة منها: اللقطة الرأسية وهي التي تكون فيها الكاميرا أعلى من المنظور، فيبدو المنظر أسفلها "صغيراً" أو "مغموراً" أو "متسعاً"، أو اللقطة المنخفضة، التي تكون فيها الكاميرا في مكان منخفض عن المنظور، فيبدو المنظور في وضع صاعد أو شامخ أو مرتفع، يوحي بالأهمية أو بالقوة أو بالقسوة أو البطش أو الهيبة. وهناك العديد من اللقطات، التي تنتج عن طبيعة الزاوية، التي تنظر منها الكاميرا نحو المنظور، ومن ذلك اللقطة المعكوسة، واللقطة المائلة، ولقطات المرايا .. الخ.
خامساً: حجم المنظور:
من الطبيعي أن يتغير حجم المنظر وشكله على الشاشة، وفقاً لحركة الكاميرا عندما تقترب منه، أو تبتعد عنه، ووفقاً للمكان، الذي تكون فيه الكاميرا أو الزاوية، التي تنظر منها إلى هذا المنظور، ونوع العدسة المستخدمة في التصوير.
وهناك ثلاثة أحجام رئيسية للمنظر، هي:
1. اللقطة العامة ـ المنظر العام ـ (م . ع)، وهي اللقطة التي تستوعب منظراً شاملاً بكل ما فيه من عموميات ( حديقة عامة ـ جماعة من الناس ـ شارع ـ مبنى … الخ ). ولا تُستخدم مثل هذه اللقطة عند الحاجة إلى إبراز التفاصيل، أو التقاط فرد واحد، أو عدد محدود من الأفراد.
2. اللقطة المتوسطة ـ المنظر المتوسط ـ (م . م)، وهي اللقطة التي تُظهر من الشخص رآسة ورقبته والكتفين وأسفل الصدر تقريباً. وتعد هذه اللقطة هي الأسلوب العادي، في سرد القصة.
3. اللقطة الكبيرة ـ المنظر الكبير ـ (م . ك)، وهي اللقطة التي تُظهر من الشخص الرأس فقط، أو تظهر الشيء المراد تصويره كبيراً واضحاً. وتستخدم هذه اللقطة في إبراز التفاصيل الصغيرة، والانفعالات البشرية، التي تظهر على الوجه، أو في حركة يد، أو اهتزاز قدم … الخ.
وإضافة إلى اللقطة العامة، أو المنظر العام، أو اللقطة الكبيرة، أو الكبيرة جداً big close up، يوجد العديد من اللقطات مثل: اللقطة العامة المتوسطة، (م.ع. م.)، والمنظر الكبير المتوسط (م. ك. م.)، وهكذا .
سادساً: علامات التّرقيم (الانتقال من لقطة إلى أخرى):
إن تتابع الصورة في التمثيلية أو الفيلم، والانتقال من لقطة إلى أخرى، ومن مشهد إلى آخر، يُعد مصدراً من أهم مصادر الحركة، وعاملاً من أهم العوامل، التي تتحكم في جعل إيقاع العمل سريعاً أو بطيئاً. والمعروف أن الإيقاع البطيء ينتج عن تتابع لقطات طويلة، بينما يحدث الإيقاع السريع من تتابع اللقطات القصيرة .. وقد يكون هناك إيقاع متوسط، أو قد لا يكون هناك إيقاع على الإطلاق، إذا تتابعت لقطات غير متساوية الطول دون نظام أو تخطيط.
إن الانتقال من لقطة إلي لقطة، في إطار السرد التليفزيوني أو السينمائي، يشبه إلى حد كبير علامات الترقيم، واستخدامها في الكتابة، كما يشبه استخدام الإظلام والإضاءة وإسدال الستار ورفعه في العروض المسرحية، عند الانتقال من مشهد إلى مشهد، أو من فصل إلى آخر.
ويجري الانتقال من لقطة إلى أخرى، ومن مشهد إلى مشهد، في التمثيلية التليفزيونية باستخدام عدد من الأساليب الفنية، هي:
1. القطع Cut:
وهو الوسيلة العادية للانتقال، ويتم مباشرة وبسرعة، من الصورة، التي تلتقطها إحدى الكاميرات، إلى صورة تلتقطها كاميرا أخرى (ولا يحدث هذا في التصوير السينمائي حيث يجرى تقطيع اللقطات ـ أي الفيلم نفسه ـ وإعادة لصق أجزائه وفق الترتيب المطلوب، ومن هنا جاءت كلمة Cut، بمعنى قطع أو قص). وعموماً فإن الانتقال من لقطة إلى أخرى بطريقة القطع هذه، يُستخدم لإظهار المشهد من زاوية، أو من مسافة جديدة، دون تعديل في المشهد ذاته، أو للانتقال السريع من لقطة إلى أخري، أو من مشهد إلى آخر.
2. المزج dissolve:
ويعنى اندماج نهاية المنظر، الذي ينتهي في اللقطة الأولى، مع بداية المنظر، الذي يظهر في اللقطة التالية، ثم ذوبان المنظر القديم كلية، مع إيضاح معالم المنظر الجديد. وعلى ذلك يكون المزج عملية اختفاء وظهور في وقت واحد، حيث تتلاشى صورة إحدى الكاميرات، بينما تبدأ صورة الكاميرا الأخرى في الظهور. ويمثل "المزج" تغييراً طفيفاً في الوقت، أو المكان، أو فيهما معاً. كما يُستخدم، في كثير من الأحيان، لإظهار التباين أو التضاد contrast بين شيئين، كذلك يستخدم في الربط بين لقطتين متتابعتين، لإظهار العلاقة بينهما على الرغم من اختلاف مضمون كل منهما، اختلافاً كاملاً (كما يجرى عند تصوير أحلام اليقظة). أما في برامج المنوعات، فكثيراً ما تُستخدم طريقة المزج كنوع من "الإبهار"، ولفت الأنظار.
3. الظهور التدريجي fade in، والاختفاء التدريجي fade out, fade to back:
وتعني إظهار المنظر بالتدريج، كما يتلاشى المنظر الذي قبله بالتدريج، أي هي عملية تدرج في الظهور والاختفاء. وعلى هذا النحو، فإن الاختفاء التدريجي fade out، يشبه إلى حد كبير "النقطة" في نهاية الجملة، إذ يختفي المشهد تدريجياً، فيشعر المشاهد بأن الحدث قد انتهي، أو أنه قد تأجل مؤقتاً، وقد يتم ذلك في بطء شديد، أو في سرعة، حسب المعنى المقصود.
وتستخدم هذه الطريقة في الانتقال من لقطة إلى أخرى، أو من مشهد إلى آخر، للربط بين جزئين من الفيلم السينمائي أو التمثيلية. كما تُستخدم لتكثيف الإحساس بمرور الزمن. فالاختفاء البطيء جداً، الذي يتبعه ظهور بطئ جداً، إنما يُهيئ المتفرج للشعور بمرور زمن طويل في سرد القصة . أما الاختفاء السريع والظهور السريع، فيوحي بأن زمناً قصيراً قد مضى. وفي كل الحالات، لا يجوز أن يأتي الاختفاء fade out في منتصف حركة مهمة، بل يجب أن يُحتفظ به إلى اللحظة، التي نحتاج فيها إلى التعبير عن "وقفة" أو "لحظة صمت".
4. المسح wipe:
وهي طريقة تتمثل في إحلال صورة تلتقطها إحدى الكاميرات - إحلالاً تدريجياً - محل صورة تلتقطها كاميرا أخرى. ويتم ذلك باستخدام جهاز إليكتروني خاص، يمسح الصورة، لتحل محلها صورة أخرى، تظهر من أعلى الشاشة إلى أسفلها، أو من أسفلها إلى أعلاها، أو من إحدى جوانبها أو زواياها، أو من منتصفها. الخ. (يوجد ما يزيد على مائة وخمسين شكلاً، من أشكال المسح الإلكتروني).
5. البان السريع fast pan:
وهي طريقة للانتقال من لقطة إلى أخرى، باستخدام كاميرا واحدة، وهي حركة استعراضية سريعة، أو "عنيفة" للكاميرا، تجعلها تنتقل سريعاً من شئ إلى آخر وكأنها وضعت غشاوة على المنظر. وبذلك فهي تُعني بنقل المتفرج إلى شيء جديد، وكأنها تطالبه أن ينسى ما مضى، وأن يفكر فيما هو أمامه في تلك اللحظة. وعلى النسق نفسه فإنه بواسطة تحريك الكاميرا إلى الأمام والخلف، يمكن الانتقال من خلفية أحد المشاهد إلى مقدمته، أو الانتقال من اللافتات الافتتاحية، إلى المشهد الأول.
سابعاً: خطوات إعداد السيناريو التليفزيوني:
يُمكن تلخيص هذه المراحل في الخطوات الرئيسية الآتية
· الاقتباس adaptation
· الحوار dialogue
· المعالجة treatment
· الديكوباج (السيناريو النهائى)
1. الاقتباس:
تُصاغ هذه المرحلة القصة وتُكيّف، حسب مقتضيات الشاشة، ولهذا ينبغي أن تكون الفكرة صالحة للعرض مرئية. وبعد التأكد من ذلك، يبدأ كاتب السيناريو في تلخيصها تلخيصاً دقيقاً، ويكون ذلك هو بداية العمل في السيناريو. ويعني الاقتباس تحويل كل شئ في القصة إلى حركة، تعبر عن صور ومشاعر، ترتبط وتتوإلى متتابعة مكوّنة قصة كاملة. وينبغي على كاتب السيناريو أن يكون قادراً على التخيل، بحيث يتخيل المرئيات في حركتها، وأوضاعها المختلفة. وتعد هذه المرحلة من أهم مراحل كتابة السيناريو، بل أهمها على الإطلاق.
2. المعالجة:
ويطلق عليها اسم "السيناريو الابتدائي". وفيها يبدأ الكاتب بمعالجة القصة، وتقطيعها بصورة أولية. وهذه المرحلة ليست هي المرحلة النهائية في السيناريو، كما قد يخطر لبعضهم، بل هي إعداد أولى مرئي للقصة. ويتم تقطيع حوادث القصة حسب المشاهد والمناظر، وفق ترتيبها وتسلسلها، وعلى كاتب السيناريو أن يكتب كل مشهد على حدة، فيصفه وصفاً دقيقاً، محدداً الأشخاص الذين يظهرون فيه، والملابس التي يرتدونها، ويشرح الحركة داخل المشهد، وما يظهر في المنظر من أثاث ومنقولات، ويذكر إذا كان المنظر داخلياً أو خارجياً، "أي سيصور داخل البلاتوه في الأستديو أو خارجه". كما عليه أيضا أن يحدد طريقة الانتقال من مشهد إلى آخر، وأن يضع الخطوط الرئيسية للحوار، أو يكتبه كله، أو بعض أجزائه.
ويتبع كتّاب السيناريو في إنجاز هذه المرحلة، وتسجيلها على الورق، طريقة خاصة، فتقسّم الصفحة إلى قسمين طويلين، كما هو معروف، ويخصص القسم الأيمن للمرئيات، والقسم الأيسر للصوتيات.
3. الحوار:
وهو المرحلة الثالثة من مراحل كتابة السيناريو، وهي مرحلة مستقلة بذاتها يمكن أن يقوم بها كاتب السيناريو نفسه، أو أي كاتب آخر متخصص. وأياً كان الأمر لمن سيكتب الحوار فعليه التقيد بالخطوط والخطوات الرئيسية المسجلة في السيناريو الابتدائي، وليس له أن يضيف مشاهد جديدة إلى السيناريو.
4. الديكوباج "السيناريو النهائي":
وهي المرحلة الأخيرة، التي يكون النص بعدها جاهزاً للتصوير. وفي هذه المرحلة تُقسّم المشاهد إلى لقطات، على ضوء ما تم في المرحلة الثانية، وعلى ضوء الحوار. ويصف كاتب السيناريو كل لقطة وصفاً دقيقاً موجزاً، ويوضح حركة الممثلين بداخلها، وحركة الكاميرا، وكيفية الانتقال من لقطة إلى أخرى، مستخدماً في ذلك أساليب الانتقال المعروفة "القطع والمزج والمسح .. الخ ". كما عليه أن يبين حجم كل لقطة، وفقاً للأحجام الخمسة المعروفة هي (المنظر العام - والمتوسط - والمتوسط العام - والكبير- والمتوسط).